قصة الملكين هاروت و ماروتقصص القرآن الكريم والسنة النبوية
قصة الملكين هاروت و ماروت
قصة الملكين هاروت و ماروت
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ١٠١﴾ سُّورَة البَقَرَة
من الحكمة الإلهية أنه من ترك ما ينفعه ابتُليَ بالاشتغال بما يضرّه، فمن ترك عبادة الرحمن ابتُليَ بعبادة ما دون الله، ومن ترك محبة الله وخوفه ورجاءه ابتُليَ بمحبّة وخوف ورجاء العبد، ومن لم ينفق ماله في طاعة الله أنفقه في ما لا يرضي الله، ومن ترك الذلّ لربه ابتُليَ بالذل للعباد، ومن ترك الحق ابتُليَ بالباطل.
كذلك اليهود، لمّا نبذوا كتاب الله وأخذوه وراء ظهورهم ماذا فعلوا؟
﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ١٠٢﴾ سُّورَة البَقَرَة
فاتّبعوا ما تتلوه الشياطين على مُلك سليمان، أي في عهد مُلك سليمان. وما نلاحظه أن الله تعالى استعمل صيغة الماضي مع الاتباع (واتّبعوا) لأن هذا كان في عصر مضى، وجاء الفعل (تتلو ا) بصيغة المضارع، فما تقوله شياطين الإنس والجن مستمر إلى يوم قيام الساعة. فالمضارع يدل على الحدوث والاستمرار.
والشياطين هم العصاة من الجن، لأن الجن منهم الكافر والمؤمن فحالهم كحالنا نحن معشر الإنس لقوله تعالى في سورة الجن:
﴿ وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا ١١﴾ وقوله تعالى ﴿ وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا ١٤﴾
فاليهود كانت تتّبع ما تتلوه الشياطين من سحر و تعاويذ وخرافات، وإن من الجن من كان يسترق السمع إلى ما ينزل من السماء إلى الأرض وينقلونه إلى أوليائهم من الإنس المشعوذين والسحرة، فبعضها حق وأكثرها باطل.
سليمان عليه السلام حين جاءته النبوة طلب من الله سبحانه وتعالى أن يمده بملك لا يعطيه لأحد من بعده:
﴿ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ٣٥﴾ سُّورَة ص
فحين أخذ هذا الملك وسخّر له الله تعالى ما لم يسخّر لعبد قبله ولا بعده، كانت الشياطين تملأ الأرض كفرا وسحرا وشعوذة، فأخذ سليمان كلّ كتب السحر، وقيل أنه دفنها تحت عرشه، وحين مات سليمان وعثرت الشياطين على مخبأ الكتب أشاعتها بين الناس.
وقال أحبار اليهود أن هذه الكتب هي التي كان سليمان يسيطر بها على عقول الإنس والجن، وأنها كانت منهجه ومصدر قوته، فأراد الله أن يبرئ نبيه فقال:
"وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ"
فأنزل الله تعالى ملكين من ملائكة السماء "هاروت وماروت" لمهمة محددة، وهي تعليم الناس السحر، وأن يحذّرا الناس بأن السّحر فتنة تؤدي إلى الكفر:
"وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ "
فيقولان للناس نحن نزلنا بالسّحر عليكم حتى نعلّمكم الفرق بين السّحر الذي جاء به الشياطين وبين المعجزات التي أمدّها الله تعالى لنبيه سليمان عليه السلام، وما هذا الذي نعلمه إلا فتنة وكفر وابتلاء لكم فاحذروا فالدنيا دار بلاء، فالسحر كفر:
"فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ "
فالسّحر لا يأتي بخير أبدا، بل بالضرر وبالشر والتفريق بين الزوج وزوجته، ولكن ضرره لا يقع إلا بإذن الله. فلا يجب على المؤمن تعلّم السّحر أو حتى البحث عن كيفيات استعماله.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire