سورة النور - تفسير وطريقة حفظ - ا لوجه 350 من المصحف الشريف - آلصفحة 1
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النور سورة تجد النور شائع في كل آياتها وكلماتها بل وفي حروفها. فالله تعالى يريد للإنسان أن يكون طاهرا شريفا كريما عزيزا لذلك وضع له حدودا وتشريعا. ومن أهمِّ مقاصدِ هذه السورةِ ذِكرُ أحكامِ العفافِ والستر وآداب البيوت قال تعالى:
"سُورَةٌ أَنزَلۡنَٰهَا وَفَرَضۡنَٰهَا وَأَنزَلۡنَا فِيهَآ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖ لَّعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ" (1)
وهذا فيه تنبيه على الاعتناء بهذه السورة، ففيها بيّن الله تعالى الحلال والحرام، والأمر والنهي، والحدود، فكل ما جاء فيها فرض بيّن؛
أَنزَل الله فِيهَآ ءَايَٰتِۭ بَيِّنَٰتٖ أي آيات واضحة صريحة وألْزَمَ عباده بالعملَ بما فَرَضه فيها وبَيَّنَّه من الواجباتِ والحُقوقِ لكي يتذكَّروا بهذه الآياتِ ويتَّعظوا ويعملُوا بها.
وأول ما تكلم الله سبحانه وتعالى عنه في هذه السورة الكريمة هي مسألة الزنا، فلا يلتقي رجل وامرأة إلا على نور من الله وهدى من شريعته الحكيمة. والزنا من أكبر الذنوب بعد الكفر والشرك وقتل النفس، وهي من أكبر الفواحش على الإطلاق.
"ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ وَلَا تَأۡخُذۡكُم بِهِمَا رَأۡفَةٞ فِي دِينِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ" (2)
هنا بدأ الله تعالى بذكر المرأة قبل الرجل لأن دورها في هذه العلاقة أعظم، فهي التي تغوي وهي التي تفتن عكس آية السرقة أين بدأ الله تعالى بالرجل، فقال في سورة المائدة "والسّارق والسّارقة" لأن عادة والشائع الذّكر هو الذي يسرق أكثر من الأنثى،
فأمر الله تعالى بإقامة الحد عليهما، وحد الزنا يختلف باختلاف صاحبه، فإن الزاني إما أن يكون بِكرا أي لم يتزوج أو محصنا وهو المتزوج.
ملاحظة: في رواية ورش الذال مشددة "لَّعَلَّكُمۡ تَذَّكَّرُونَ"
هذه الآية الكريمة تتكلم عن البِكر الغير مُحصَن أي الذي لم يتزوّج، وحدّه على حسب سياق الآية مئة جلدة، ويزيد عن ذلك أن يُغرّبَ عاما عن بلده عند جمهور العلماء.
نفس الشيء بالنسبة للزانية الغير مُحصَنة البِكر، غير أنها لا تُغرّب وحدّها مائة جلدة.
أما حدّ المُحصَن أي المتزوج فلم يذكره النص القرآني إنما جاء تفصيله في سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلم ضمن قصة "ماعز والغامدية" رضي الله عنهما، فحدّ الزّاني أو الزّانية المُحصَنين هو الرّجم حتى الموت.
جاء ماعز إلى النّبي صلّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله طهّرني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويحك ارجع فاستغفرالله وتب إليه. لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يكشف ذنبه إنما نصحه بالتوبة، فذهب ثم عاد فقال نفس الكلام، فردّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم نفس الرّدّ للمرّة الثانية، حتى إذا كانت رابع مرة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : فيم أطهرّك؟ لأنه في المرات السابقة لم يكن يريد كشف ذنبه، لكن الرجل أصر، فقال: طهّرني من الزنا.
وبما أن هذا الأمر جد خطير في الإسلام (لكننا في زماننا يُستهزأ به ويُصغّرويُستحلّ ولو بقطرة عطر فوّاح بين الرجال) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن كان معه: أبه جنون؟ فردّوا: لا، فقال: أشاربٌ خمرًا؟ قالوا: لا، فسأله: هل زنيْت؟ قال: نعم. فالرّسول صلّى الله عليه وسلم كان عاقلا حكيما رحيما.
هذا الرجل المتزوّج المُحصَن جاء معترفا من نفسه، وجاء تائبا مُقرّا بذنبه، يريد أن يتخلّص منه في الدنيا قبل الآخرة. فعندما سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سؤاله في أول الأمر كان رحمة منه، فعلامات الحسرة كانت بادية على وجه الرجل، ففهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأمر عظيم، فأراد ستره وأمره بالتوبة والاستغفار لئلّا يقيم الحد عليه، فراجعه أكثر من مرة، فسأله: لعلّك قبّلت أو غمزت أو نظرت. قال: لا، يعني أكثر من ذلك. فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يريد أن تشيع الفاحشة في المجتمع، فأراد ستر القضية حتى لا تكون محل حديث بين الناس فيتداولون هذا الأمر، وهذا من أسلوبه الراقي والنبيل صلى الله عليه وسلم.
وباعتراف "ماعز" وتصميمه، أُقيم الحدّ عليه فرُجِم بالحجارة ومات وقال عنه صلى الله عليه وسلم: "استغفروا لماعز بن مالك لقد تاب توبةً لو قُسِمت بين أُمّة لوسِعتهم " ويجب علينا أن نعرف كذلك أن رجلا من الصحابة الكرام كذلك اسمه "هزّال" هو الذي دفع "بماعز" إلى الإعتراف بذنبه، غير أن رسول الله صلوات الله عليه قال له: "والله يا هزّال لو كنت سترته بـثوبك كان خيرا مما صنعتَ به" أي حتى ولو رأيته يزني، كنت سترته بـثوبك ولم تدفعه للإعتراف بذنبه.
ملخّص الآية أن حدّ الرجل البِكرالغير مُحصن أو المرأة البِكر مئة جلدة والتّغريب عاما عن بلده بالنسبة للرجل.
أما حدّ الرجل المحصن المتزوج أو المرأة المُحصَنة الرّجم حتى الموت .
" ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر" فهذا هو الحق فطبّقوه أو راجعوا إيمانكم، فإنْ كُنتُم ءأيُّها المؤمنونء تُؤمِنونَ حقًّا باللهِ وبالبَعثِ يومَ القِيامةِ للجَزاءِ على الأعمالِ، ثوابًا أو عِقابًا، فأقيموا الحَدَّ على الزَّانِيَينِ كما أمرَكَم اللهُ.
فإقامة الحدّ في الإسلام يكون حِفاظا على سلامة المجتمع من الفاحشة، فلا نستطيع أن نكون أرحم بالخَلق من الخالق،
"ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله" لا يُقصد به عدم الرأفة الطبيعية عند الرجم، بل حذّرنا الله تعالى من الرأفة التي تجعلنا لا نقيم الحدّ ونترك شريعة الله. ثم قال:
"وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ" فإقامة الحدّ يكون علنيّا حتى يرتدع من يعمل مثله، فإذا جُلِدا بحضرة الناس كان أبلغ في زجرهما، وهذا ليس من باب الفضيحة إنما ليدعوا لهم بالتوبة والرحمة.
ٱلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ (3)
بدأ تعالى بذكر الذّكر (الزّاني) كما سبق وتناولناه في سورة البقرة في آية النكاح بدأ بالرّجل كذلك في قوله تعالى: "وَلَا تَنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكَٰتِ حَتَّىٰ يُؤۡمِنَّۚ وَلَأَمَةٞ مُّؤۡمِنَةٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكَةٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡۗ وَلَا تُنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤۡمِنُواْۚ وَلَعَبۡدٞ مُّؤۡمِنٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكُمۡۗ أُوْلَٰٓئِكَ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ وَٱلۡمَغۡفِرَةِ بِإِذۡنِهِۦۖ وَيُبَيِّنُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ" (221) الخطاب مع الرجل في أول الأمر، كذلك هنا الزاني أوّلا "لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوۡ مُشۡرِكَةٗ" ثم الزانية "وَٱلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوۡ مُشۡرِكٞۚ"
آلآية تتكلم عن فعل الزّنا أو الوطء الحرام ولا تتكلم عن النّكاح بمعنى الزواج. فالزاني لا يقوم بهذا الإثم إلا مع زانية مثله أو مشركة لا تعتقد تحريمه، والزانية لا تعمل مثل هذا العمل إلا مع زاني مثلها أو مع مشرك لا يعتقد تحريمه،
فلو قلنا أن المعنى هنا النّكاح بمعنى الزواج، فالمرأة المسلمة لا يحلّ لها أن تنكح مشركا، فمعنى النكاح هنا هو فعل الزنا والله أعلم.
ومن المفسرين من ذكر أنه فيه دليلٌ صريحٌ على تَحريمِ نِكاحِ الزانيةِ حتى تَتوبَ، وكذلك إنكاحُ الزاني حتَّى يتوبَ. ولَمَّا عظَّمَ اللهُ تعالى أمْرَ الزَّاني، بيَّنَ تعالى تَعظيمَ الإقدامِ على الأعراضِ بالرَّميِ بالزِّنا فقال تعالى:
وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَأۡتُواْ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجۡلِدُوهُمۡ ثَمَٰنِينَ جَلۡدَةٗ وَلَا تَقۡبَلُواْ لَهُمۡ شَهَٰدَةً أَبَدٗاۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ (4)
فتكلم الله تعالى عن الزنا بعدها تكلّم عن فاحشة أخرى وهي القذف، والقذف كبيرة من الكبائر، فسق اللهُ فاعلَها وأسقط عدالته وأوجب عليه الحدّ، وحدّه ثمانين جلدة بالسوط.
تعريف الرمي أوالقذف:
والرمي هو القذف بالفاحشة أي أن تتّهم إنسانا بفاحشة، والمُحصنات هم المتزوّجات لأنها مُحصنة بزوج فلا تميل إلى الفاحشة، أو العفيفات، فمعنى الآية أن يتّهم أحدُهم امرأة متزوّجة أو امرأة عفيفة بزنا ولم يأتِ بأربعة شهداء. ما هو حدهم؟ "فَٱجۡلِدُوهُمۡ ثَمَٰنِينَ جَلۡدَةٗ" ويسمى هذا حد القذف. نفس الشيء بالنسبة لمن قذف رجلا.
حد القذف:
- إذن أول عقوبة: الجلد ثمانين جلدة "فَٱجۡلِدُوهُمۡ ثَمَٰنِينَ جَلۡدَةٗ"
- ثاني عقوبة: أن لا يكون القاذف مقبول الشهادة في أي أمر كان "وَلَا تَقۡبَلُواْ لَهُمۡ شَهَٰدَةً أَبَدٗاۚ"
- ثالث عقوبة: ألصق بهم الله تعالى صفة الفسق "وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ" فالقاذف يُخرَج من المجتمع.
شروط إقامة الحد: ولإقامة حد القذف، يجب توفر شروط:
- أن يكون القاذف مسلما عاقلا بالغا.
- أن يكون المقذوف عفيفا غير معروف بالفاحشة.
- أن يطالِب المقذوف (الذي قُذِف) بإقامة الحد على القاذف (الذي قَذَف)، إذ هو حق له، إن شاء استوفاه وإن شاء عفا عنه،
إلّا أن يأتي بأربعة شهود يشهدون على صحة ما رمى به المقذوف، فإن سقط شرط من هذه الشروط فلا وجوب للحد.
عاقَبَ هؤلاء القاذِفينَ للمُحصَناتِ بثَلاثِ عُقوباتٍ:
- حِسِّيَّةٌ: وتتمَثَّلُ في جَلْدِهم ثمانينَ جَلدةً، وهي عُقوبةٌ قَريبةٌ مِن عُقوبةِ الزِّنا.
- مَعنويَّةٌ: وتتمَثَّلُ في عدَمِ قَبولِ شَهادتِهم؛ بأن تُهدَرَ أقوالُهم، ويَصيروا في المجتمَعِ أشبَهَ ما يكونون بالمَنبوذينَ الذين إنْ قالوا لا يُصَدِّقُ النَّاسُ أقوالَهم، وإن شَهِدوا لا تُقبَلُ شهادتُهم؛ لأنَّهم انسلَخَت عنهم صِفةُ الثِّقةِ مِن النَّاسِ فيهم.
- دينيَّةٌ: وتتمَثَّلُ في وَصفِ اللهِ تعالى لهم بالفِسقِ، أى: بالخُروجِ عن طاعتِه سُبحانَه، وعن آدابِ دينِه وشريعتِه.
بعدها استثنى الله تعالى وقال:
إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ وَأَصۡلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (5)
أي إلَّا الَّذين نَدِموا على قَذْفِهم، وأقلَعوا عن مَعصيةِ القذفِ بعدَ وُقوعِهم فيها، وعَزَموا على عدَمِ العودةِ إليها ، وأصلَحوا أحوالَهم وأعمالَهم، فإنَّ اللهَ يَستُرُ ذُنوبَهم ويَتجاوزُ عن مُؤاخذَتِهم بها، رَحيمٌ بهم.
واختلف العلماء في هذا الاستثناء، هل يعود على الجملة الأخيرة فقط؟ أي على الفاسقون فترفع صفة الفسق عن القاذف ويبقى مردود الشهادة دائما وإن تاب، أو أنّ الإستثناء يعود على كل الآية فيُرفع عنه الفسق وتُقبل شهادته. أمّا الجَلد فباقٍ سواء تاب القاذف أم عاد، وأقرب الأقوال أن تُقبل شهادته بعد ذلك، والله أعلم.
من متشابه الألفاظ:
وهذه آية مطابقة للآية 89 من سورة آل عمران في قوله تعالى تعالى: "إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ وَأَصۡلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ (89)" فذكر الله تعالى التوبة والإصلاح أي إتْباع السيئة بالحسنة.
وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ أَزۡوَٰجَهُمۡ وَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ شُهَدَآءُ إِلَّآ أَنفُسُهُمۡ فَشَهَٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَهَٰدَٰتِۭ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ (6)
فإذا قذف أحدُهم زوجَته وتعثّر عليه إقامة البيّنة عليها ولا شاهد على أمرها فما العمل؟ هنا حفظ الإسلام حق الزّوج، فقال: "فَشَهَٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَهَٰدَٰتِۭ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ" وهذه الآية تسمى آية اللّعان، المعنى أن يُلاعنها وهو أن يُحضرها إلى الإمام فيدّعي عليها بما رماها به، فيُحلّفه الحاكم أربعة شهادات بالله عوض أربعة شهداء الذين لم يجدهم، فيشهد بالله على فعلتها أربع مرات، كأن يقول "أُشهِد اللهَ أنّني صادق فيما رميت به زوجتي" هذا هو معنى "فَشَهَٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَهَٰدَٰتِۭ بِٱللَّهِ" وهنا يحتسب صادقا "إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ"، ثم قال:
وَٱلۡخَٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ (7)
وبعدما شهد 4 شهادات، يقول في الخامسة "ولعنة الله عليّ إن كنت كاذبا فيما قلته" أي يشهد أربع شهادات بالله "أشهد الله أني صادق فيما رميت به زوجتي" عوض أربع شهداء، وفي خامس مرة يقول "ولعنة الله علي إن كنت كاذبا في قولي" لكنه إن كذب فهو ملعون خارج من رحمة الله.
إلا أنّ الشَّريعةَ لمْ تُهمِلِ حقَّ المرأةِ، ولم تَجعَلْها مأخوذةً بأَيمانٍ قد يكونُ حالِفُها كاذِبًا فيها، فجعَلَ للزَّوجةِ مُعارَضةَ أيمانِ زَوجِها فقال تعالى:
وَيَدۡرَؤُاْ عَنۡهَا ٱلۡعَذَابَ أَن تَشۡهَدَ أَرۡبَعَ شَهَٰدَٰتِۭ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ (8)
ويَدْفعُ عنها العذاب أن تلاعنَه هي كذلك، وتشهد هي بدورها أربع شهادات بالله أنّه كاذب، فتقول أربع مرات "أُشهِد اللهَ أنّه كاذب فيما رماني به" وفي المرة الخامسة تقول "غضَبُ اللهِ عليّ إن كان هو من الصادقين"
وَٱلۡخَٰمِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ (9)
فيغضب الله عليها إن كذبت وكان زوجها من الصادقين.
وإذا امتنعت الزوجة عن الشهادة فقد ثبتت عليها تهمة الزّنا ويُقام عليها الحد، وإن تعادلا في الشهادة أي إن شهدت هي وشهد هو، فرّق الشرع بينهما نهائيا.
وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)
إذ جعل لكل موقف حلّا عادلا يحفظ حقوق الفرد والمجتمع. وهنا لم يُذكر الجواب و معنى الآية: ولولا فضل الله عليكم ورحمته لهلكتم أو لفُضِحتم، فالجواب معلوم.
فائدة تربوية:
العِفَّةَ مِن أسبابِ نورِ القَلبِ، وضِدَّها هو الفُجورُ، ولذلك فإنَّ الزِّنا سواءٌ كان بالعَينِ، أو بالرِّجلِ، أو باليَدِ، أو باللِّسانِ، أو بالفرْجِ تأثيرُه على القَلبِ وعلى نُورِ القلبِ أعظَمُ مِن غيرِه، وتأثيرُ العِفَّةِ في نُورِ القلبِ أبلغُ.
ملاحظة:
القاذِفُ قد يكونُ ذكَرًا والمقذوفُ أُنثى، وقد يكونُ أُنثى والمقذوفُ ذكَرًا، وقد يكونُ ذكرًا والمقذوفُ ذكرًا، وقد يكونُ أنثى والمقذوفُ أنثى؛ وقد نصَّ في قَولِه تعالى: "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ" على قذْفِ الذُّكورِ للإناثِ تَنبيهًا على عَظيمِ حَقِّ أُمِّ المُؤمنينَ عائِشةَ رضِيَ اللهُ عنها، وبقيَّةُ الصوَرِ المسكوتِ عنها داخِلةٌ في حُكمِ المنصوصِ.
قَولُ اللهِ تعالى "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ" فيه أنَّ اللِّعانَ مُختَصٌّ بالزَّوجِ إذا رمَى امرأتَه، لا بالعَكْسِ.
ملاحظة:
يوجد اختلاف في الحركات بين رواية حفص ورواية ورش:
في رواية حفص:
"وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ أَزۡوَٰجَهُمۡ وَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ شُهَدَآءُ إِلَّآ أَنفُسُهُمۡ فَشَهَٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَهَٰدَٰتِۭ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ" (6) وَٱلۡخَٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ (7) وَيَدۡرَؤُاْ عَنۡهَا ٱلۡعَذَابَ أَن تَشۡهَدَ أَرۡبَعَ شَهَٰدَٰتِۭ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ (8) وَٱلۡخَٰمِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ (9)
كلمة "أَرۡبَعُ" تتبع كلمة "فَشَهَٰدَةُ" في الحركة وجاءتا مضمومتين، فَشَهَٰدَةُ: مبتدأ خبره أَرۡبَعُ.
"وَٱلۡخَٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ" جاء حرف التوكيد و النصب "أنّ" فنُصبت كلمة "لَعۡنَتَ" لأنها إسم أنّ. أما كلمة "ٱلۡخَٰمِسَةُ" فهي مبتدأ مرفوع.
"وَٱلۡخَٰمِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَآ" جاء حرف التوكيد و النصب "أنّ" فنُصبت كلمة "غَضَبَ" لأنها إسم أنّ. أمّا كلمة "ٱلۡخَٰمِسَةَ" فجاءت منصوبة على تقدير (ويشهدُ الخامسةَ)
وفي رواية ورش:
وَالذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَٰجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَآءُ اِ۪لَّآ أَنفُسُهُمْ فَشَهَٰدَةُ أَحَدِهِمُۥٓ أَرْبَعَ شَهَٰدَٰتِۢ بِاللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ اَ۬لصَّٰدِقِينَ (6) وَالْخَٰمِسَةُ أَن لَّعْنَتُ اُ۬للَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ اَ۬لْكَٰذِبِينَۖ (7) وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا اَ۬لْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَٰدَٰتِۢ بِاللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ اَ۬لْكَٰذِبِينَ (8) وَالْخَٰمِسَةُ أَنْ غَضِبَ اَ۬للَّهُ عَلَيْهَآ إِن كَانَ مِنَ اَ۬لصَّٰدِقِينَۖ (9)
كلمة "أَرۡبَعَ" جاءت منصوبة.
"وَالْخَٰمِسَةُ أَن لَّعْنَتُ اُ۬للَّهِ عَلَيْهِ"
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire