أسهل طريقة لحفظ سورة الرحمن وتثبيتها بدون نسيان
رابط تحميل البطاقات المرفقة للمقال |
من منّا لا يحلم بحفظ "سورة الرحمن" لجمالها وسحرها وأسلوبها المتميز والفريد، وهي سورة مكية تتميّز ببديع أسلوبها، وافتتاحها الباهر باسمه "الرحمن" وهي السورة الوحيدة المفتتحة باسم من أسماء الله، لم يتقدَّمه غيره، وهي سورة موجّهة لمعشر الجنّ والإنس فعن جابر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال: (لقد قرأتُها على الجنِّ ليلةَ الجن، فكانوا أحسن مردودًا منكم، كنت كلما أتيتُ على ﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾، قالوا: لا بشيءٍ من نعمِك ربَّنا نُكذِّب، فلك الحمد) الجامع الصحيح، سنن الترمذي (مصدر سابق)، رقم الحديث: 3291، (ج5/ص399)
ومن مميزاتها تعداد آلاء الله الباهرة ونِعَمه الكثيرة الظاهرة على العباد، التي لا يُحصِيها عدٌّ، في مقدّمتها نعمة (تعليم القرآن) بوصفه المنةَ الكبرى على الإنسان، وذلك في مقام الامتنان والتعظيم و تقرير النعم والتذكير بها في قولُه ﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾؛ إذ تكرَّرت هذه الآية في سورة الرحمن إحدى وثلاثين مرة، وذلك أسلوب عربي جليل. فهو تذكير بعد تذكير، وتقريع بعد تقريع لمن تُسوّل له نفسه جحد نِعم وقدرة الله تعالى. فهذه الآية الكريمة هي بمثابة سؤال استشهاد على آلاء ونعم الله تعالى
ٱلرَّحۡمَٰنُ (1) عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ (2) خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ (3) عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ (4)
رابط تحميل البطاقات المرفقة للمقال |
فائدة تربوية
ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ بِحُسۡبَانٖ (5) وَٱلنَّجۡمُ وَٱلشَّجَرُ يَسۡجُدَانِ (6)
وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلۡمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطۡغَوۡاْ فِي ٱلۡمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُواْ ٱلۡوَزۡنَ بِٱلۡقِسۡطِ وَلَا تُخۡسِرُواْ ٱلۡمِيزَانَ (9) وَٱلۡأَرۡضَ وَضَعَهَا لِلۡأَنَامِ (10) فِيهَا فَٰكِهَةٞ وَٱلنَّخۡلُ ذَاتُ ٱلۡأَكۡمَامِ (11) وَٱلۡحَبُّ ذُو ٱلۡعَصۡفِ وَٱلرَّيۡحَانُ (12) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)
هذه الآية تأتي عقب كلّ آية، إلا في بداية السورة أتت بعد ذكر الله لنعمه في الإثني عشر آية الأولى، وتأتي في أربعة مواضع أخرى حيث تتتالى فيها آيتين بدون فاصل، أي بدون ذكر (فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان):
خلْق الإنسان والجن : "خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ
كَٱلۡفَخَّارِ (4) وَخَلَقَ ٱلۡجَآنَّ مِن مَّارِجٖ مِّن نَّارٖ" (5)
في ذكر البرزخ الموجود بين البحرين : لا يبغيان فلا فاصل بينهما "مَرَجَ
ٱلۡبَحۡرَيۡنِ يَلۡتَقِيَانِ (19) بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٞ لَّا يَبۡغِيَانِ" (20)
في ذكر فناء الخلق و بقاء الله تعالى : "كُلُّ مَنۡ عَلَيۡهَا فَانٖ
(26) وَيَبۡقَىٰ وَجۡهُ رَبِّكَ ذُو ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ" 27
في ذكر جهنم ومن يطوف بها : "هَٰذِهِۦ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ(43) يَطُوفُونَ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَ حَمِيمٍ ءَانٖ" (44) فهم ملتصقون بجهنم، فلا فاصل بين الآيتين
بعدها
يعود الله تعالى لقضية الخلق:
خلق الإنسان من صلصال من كالفخّار(14) وخلق الجانّ من مارج من نار(15) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16)
"خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ كَٱلۡفَخَّار" فخلق أبا الإنس وهو آدم عليه السلام من
طين مبلول حتى جفّ، فصار له صلصلة وصوت يشبه صوت الفخار الذي طُبخ على النار؛
" وَخَلَقَ ٱلۡجَآنَّ مِن مَّارِجٖ مِّن نَّار" وخلق أبا الجنّ، وهو إبليس اللعين من لهب
النّار الصّافي.
"فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن
والإنس
ربّ المشرقين وربّ المغربين (17) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18)
"رَبُّ ٱلۡمَشۡرِقَيۡنِ وَرَبُّ ٱلۡمَغۡرِبَيۡنِ" مشرقي الصّيف والشّتاء و مغربي الصّيف والشّتاء، حيث تشرق الشمس شتاء في جهة من الأرض تختلف عن مشرقها حينما يكون الصيف، والغروب كذلك.
"فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن والإنس.
رابط تحميل البطاقات المرفقة للمقال |
مرج البحرين يلتقيان(19) بينهما برزخ لا يبغيان(20) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21) يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان (22) فبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (23) وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام (24) فبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (25)
وحتى نثبّت تسلسل الآيات، جاء الفعل "خَلَقَ" بعدها الفعل "مَرَجَ" وهذين الفعلين من فعل الرّبّ سبحانه وتعالى، فجاء بينهما الفاعل جل وعلا : [خلق الإنسان و خلق الجان / ربّ المشرقين / مرج البحرين]
والآيات الأربع (19 حتى 24) كلّها تتكلّم عن البحر:
"مَرَجَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ يَلۡتَقِيَانِ" "بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٞ لَّا يَبۡغِيَانِ" مَرَجَ بمعنى خلطهما وجعل بينهما تلاقيا، والمراد بالبحرين: البحر العذب، والبحر المالح، فهما يلتقيان كلاهما، فيصب العذب في البحر المالح، ويختلطان ويمتزجان، ولكن الله تعالى جعل بينهما برزخا من الأرض، حتى لا يبغي أحدهما على الآخر (لا يطغى أحدهما على الآخر)، ويحصل النفع بكل منهما، فالعذب منه يشربون وتشرب أشجارهم وزروعهم، والملح به يطيب الهواء ويتولد الحوت والسمك، واللؤلؤ والمرجان، ويكون مستقرا مسخّرا للسّفن والمراكب.
"فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن والإنس.
نبقى دائما مع آيات البحر:
"يَخۡرُجُ مِنۡهُمَا ٱللُّؤۡلُؤُ وَٱلۡمَرۡجَانُ" اللؤلؤ والمرجان هي أحجار كريمة لا تخرج إلّا من البحر المالح، فذُكِرفي الآية أنهما يخرجان من أحد المذكورين. قال ابن عباس رضي الله عنه: "ما سقطت قطرة من السّماء في البحر فوقعت في صَدَفة إلاّ صار منها لؤلؤة، فإذا لم تقع في صَدَفة نبتت بها عنبرة"
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "إذا أمطرت السماء، فتحت الأصداف في البحر أفواهها، فما وقع فيها من قطر فهو اللؤلؤ" ولما كان اتّخاذ هذه الحلية نعمة على أهل الأرض، امتنّ بها عليهم:
"فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن والإنس.
"وَلهُ ٱلۡجَوَارِ ٱلۡمُنشَـَٔاتُ فِي ٱلۡبَحۡرِ كَٱلۡأَعۡلَٰمِ" الجوار هو جمع "جارية" أي سفينة كقوله تعالى في سورة الحاقة "إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلۡمَآءُ حَمَلۡنَٰكُمۡ فِي ٱلۡجَارِيَةِ" 11 فالله تعالى هو من أوحى لنوح بصنع أول سفينة في الوجود؛ فله تعالى السّفن (الجوار) المرفوعة أشرعتها في البحر (المنشآت) شبّهها الله تعالى بالجبال العظيمة (كالأعلام) فينتفع بها الناس في تحصيل قوتهم، و تنقلاتهم، و تجارتهم...
كلّ من عليها فان (26) ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام (27)
فبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28)
"كُلُّ مَنۡ عَلَيۡهَا فَانٖ" كلّ من على الأرض، من إنس وجنّ، ودواب، وسائر المخلوقات التي ذكرها في الآيات السابقة، يفنى ويموت ويبيد؛
"وَيَبۡقَىٰ وَجۡهُ رَبِّكَ ذُو ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ" ويبقى الحي الذي لا يموت, ذو العظمة والكبرياء والمجد، الذي يُعظّم ويُبجّل ويُجلّ لأجله، والإكرام الذي هو سعة الفضل والجود،
ملاحظة
(وجهُ) جاء فاعل مرفوع وعليه عُطِف الحرف (ذو) ولهذا جاء مرفوعا.
"فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن والإنس. فهذا من أعظم النعم على المؤمن، إذ جعل الله تعالى يوما للحساب والجزاء و إنصاف المظلوم،
فلا يغرّنّك من الدّنيا شيء، و ادعُ ربّك أن يهديَك لطريق الصّواب و اسأله من فضله، فهو كلّ يوم في أمر جديد، فهو من قال:
يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن (29)
فبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30)
و كما سبق ذكره فالإكرام هو سعة الفضل والجود، فنربط صفة الإكرام بسؤ ال و دعاء الله تعالى لأنه كريم (الإكرام بعدها يسأله) فبعد آية "وَيَبۡقَىٰ وَجۡهُ رَبِّكَ ذُو ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ" تأتي "فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" بعدها "يَسۡـَٔلُهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ"
"يَسۡـَٔلُهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ" فكلّ من في السّماوات والأرض بحاجة إليه، يسألونه من فضله وعافيته ورزقه، كلّ يوم هو في أمر جديد: يغني فقيرا، ويجبر كسيرا، ويعطي قوما، ويمنع آخرين، ويميت ويحيي، ويرفع ويخفض، لا يشغله شأن عن شأن، ولا تغلطه المسائل، ولا يبرمه إلحاح الملحين، ولا طول مسألة السائلين، فسبحان الكريم الوهاب، الذي عمت مواهبه أهل الأرض والسماوات... ،
"فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن والإنس.
فغيّر أحوالك بدعاء وإلحاح، ولا تتردّد من السّؤال، واسأله الهداية وأن لا يُزغ قلوبنا لأنّنا محاسبون فقال:
سنفرغ لكم أيّها الثقلان (31) فبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32)
ولمّا
توعّد الله خلقه و أنه مُحاسبهم يوم القيامة، ذكّرهم بأنّ يوم الحساب لن يستطيعوا الهرب
من بين يديه، فإذا
جمعهم الله في موقف القيامة، أخبرهم بعجزهم وضعفهم، وكمال سلطانه، ونفوذ مشيئته وقدرته،
فقال معجزا لهم:
يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السّماوات
والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان (33)
فبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34)
"يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ
إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ"
ففي ذاك اليوم إن استطعتم أن تجدوا منفذا و مسلكا تخرجون به
عن ملك الله وسلطانه فافعلوا،
"لَا تَنفُذُونَ
إِلَّا بِسُلۡطَٰنٖ" أي لا تخرجون عنه إلا بقوةٍ وتسلّطٍ
منكم (بسُلطانٍ)، وكمال قدرةٍ، وأنّى لهم ذلك، وهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، فالملائكة (الزّبانية) محدقة بالخلائق،
سبع صفوف من كل جانب، فلا يقدر أحدا على الهروب من أمر الله.
الفرق
بين الفعلين "ينفذ" و "ينفد"
ينفذ:
يخترق
ينفد: ينتهي، كقوله تعالى في سورة الكهف الآية 109 " قُل لَّوۡ كَانَ ٱلۡبَحۡرُ مِدَادٗا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّي
لَنَفِدَ ٱلۡبَحۡرُ قَبۡلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّي وَلَوۡ جِئۡنَا بِمِثۡلِهِۦ
مَدَدٗا "
وحيث
قُدّم الجنّ في القرآن العظيم فإنّ السّياق يتحدث عن خصوصيّةٍ لهم تميّزوا بها أكثر
من غيرهم، كعنايتهم بالقرآن لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : (لقد قرأتُها على الجنِّ ليلةَ الجن، فكانوا أحسن مردودًا منكم،
كنت كلما أتيتُ على ﴿ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾، قالوا: لا بشيءٍ
من نعمِك ربَّنا نُكذِّب، فلك الحمد) الجامع الصحيح، سنن الترمذي (مصدر سابق)، رقم
الحديث: 3291، (ج5/ص399)
"فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن والإنس.
فإن حاولتم الهروب ماذا يحدث؟
رابط تحميل البطاقات المرفقة للمقال |
يُرسل عليكما شواظٌ من نارٍ ونحاسٌ فلا تنتصران (35) فبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36)
شواظٌ من نارٍ: لهبٌ صافي من النّار/ نحاسٌ: دخان النار، وقيل النحاس المذاب. فكلمة "نحاسٌ" معطوفة على "شواظٌ" و لهذا جاءت مرفوعة.
رابط تحميل البطاقات المرفقة للمقال |
فذكر ما أعدّ لهم في ذلك الموقف العظيم،
يُرسل عليكما يا معشر الجن والإنس أمرين فظيعين، ويحيطان بكما فلا تنتصران، فلا ناصر
لكم يوم الحساب.
"فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن
والإنس.
وبعدما تكلم عن يوم الحساب تكلم عن أهوال هذا اليوم فقال:
فإذا انشقت السّماء فكانت وردة كالدّهان (37) فبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38)
"فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتۡ
وَرۡدَةٗ كَٱلدِّهَانِ" فتصبح متفتحة كالوردة ومائعة كالدهن، فتتلون تارة
حمراء و صفراء و زرقاء وخضراء، وذلك من شدة الأمر وهول يوم القيامة العظيم، فيا له
من منظر رهيب!
"فَبِأَيِّ
ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن
والإنس.
فيومئذ لا يُسأل عن ذنبه إنس ولا جان(39) فبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40) يُعرف المجرمون بسيماهم فيُؤخذ بالنّواصي والأقدام (41) فبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) هذه جهنم التي يُكذّب بها المجرمون (43) يطوفون بينها وبين حميمٍ آنٍ (44) فبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45)
"فَيَوۡمَئِذٖ لَّا يُسۡـَٔلُ عَن ذَنۢبِهِۦٓ إِنسٞ وَلَا جَآنّٞ" فكلّ عبد يعرف ما ارتكبه من ذنوب فيُقرّ بها، فاللّه تعالى عالم الغيب والشهادة.
"فَبِأَيِّ
ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن
والإنس.
ملاحظة
(يُسأل) فعل مبني للمجهول، يتبعه فعلين مبنيّين
للمجهول (ُيُسأل / يُعرف / يُؤخذ)
فيُؤخذ بنواصيهم (مقدّمة رأسهم) وبأقدامهم، إلى أين
يُؤخذون؟ إلى جهنّم فقال:
"يَطُوفُونَ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَ حَمِيمٍ
ءَانٖ" فهم
يطوفون بينها وبين حميمٍ آن (شراب كالنّحاس المُذاب) فتارة يُعذبون في الجحيم وتارة
يشربون من الحميم والعياذ بالله، والحميم هو كالنّحاس المذاب، يقطّع الأمعاء والأحشاء.
لطالما طاف المجرمون في الدنيا بين معصية ومعصية وحرام وحرام، وها هم أولاء اليوم يطوفون
في الجحيم بين عذاب وعذاب.
ثم ذكر الله تعالى أربع جنان قسّمهما قسمين، وعدد آيات وصف كلّ جنّتين بعدد أبواب الجنّة الثّمانية:
"وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ" (46) بعدها "وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ" (62)
وقال أبو موسى:
"جنّتان من ذهب للمقرّبين، وجنّتان من فضّة لأصحاب اليمين"
نبدأ بالجنتين الأوليتين، جنّتان من ذهبٍ آنيتهما وحليتهما وبنيانهما وما فيهما، إحدى الجنتين جزاء على ترك المنهيات، والأخرى على فعل الطاعات:
رابط تحميل البطاقات المرفقة للمقال |
وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَآ أَفۡنَانٖ (48)
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيۡنَانِ تَجۡرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
(51) فِيهِمَا مِن كُلِّ فَٰكِهَةٖ زَوۡجَانِ (52) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ
فُرُشِۭ بَطَآئِنُهَا مِنۡ إِسۡتَبۡرَقٖۚ وَجَنَى ٱلۡجَنَّتَيۡنِ دَانٖ (54) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55)
فِيهِنَّ قَٰصِرَٰتُ ٱلطَّرۡفِ لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٞ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنّٞ (56) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
(57) كَأَنَّهُنَّ ٱلۡيَاقُوتُ وَٱلۡمَرۡجَانُ (58) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلۡ جَزَآءُ
ٱلۡإِحۡسَٰنِ إِلَّا ٱلۡإِحۡسَٰنُ (60) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61)
"وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ
جَنَّتَانِ" وللّذي خاف ربّه وقيامه عليه، فترك ما نهى عنه، وفعل ما أمره به، له جنتان
من ذهبٍ،
"فَبِأَيِّ
ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن
والإنس.
"فَبِأَيِّ
ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن
والإنس.
"فَبِأَيِّ
ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن
والإنس.
" فِيهِمَا
مِن كُلِّ فَٰكِهَةٖ زَوۡجَانِ" من كل نوع فاكهة صنفان، كل صنف له لذّة
ولون، ليس للنوع الآخر،
"فَبِأَيِّ
ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن
والإنس.
وبعدما
نعت نعيم الجنتين من أغصان و فواكه و عيون، شرع تعالى في نعت المتنعّمين بنعيمهما فقال:
"وَجَنَى
ٱلۡجَنَّتَيۡنِ دَانٖ" الجنى هو الثمر المستوي أي ما يُجتنى من الثمار،
فثمر هاتين الجنتين قريب التناول، دانية في متناول أهل الجنة قريبة منهم، لا يكلّف المرء نفسه ليقطفها فهي
تأتي إليه، متى شاءوا أكلوها كقوله تعالى في سورة الإنسان الآية 14 "وَدَانِيَةً عَلَيۡهِمۡ ظِلَٰلُهَا وَذُلِّلَتۡ قُطُوفُهَا
تَذۡلِيلٗا"
"فَبِأَيِّ
ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن
والإنس.
فمن
كان لباس باطنه في الدّنيا "التّقوى" كانت بطائن فرشه في الجنّة "حريرا
"
" فِيهِنَّ
قَٰصِرَٰتُ ٱلطَّرۡفِ لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٞ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآن" فيهنّ: أي في الفرش التي بطائنها من استبرق، قاصرات
الطّرف التي تقصر طرفها وبصرها وتشوّقها على زوجها فقط، فلا ترغب إلا فيه؛ لم يلمسهنّ
إنسان قبل أهل الجنة ولا جانّ.
"فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا
تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن والإنس.
"فَبِأَيِّ
ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن
والإنس.
"هَلۡ جَزَآءُ ٱلۡإِحۡسَٰنِ إِلَّا ٱلۡإِحۡسَٰنُ" أي: هل جزاء من أحسن في عبادة الخالق ونفع عبيده، إلا أن يحسن إليه بالثواب الجزيل، والفوز الكبير، والنعيم المقيم، والعيش السليم؟ فهاتان الجنتان العاليتان للمقربين، فمن أحسن في الدّنيا، أحسن الله إليه يوم القيامة.
"فَبِأَيِّ
ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن
والإنس.
ثم يشرع الله تعالى في نعت الجنتين اللّتين من فضة فقال:
وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدۡهَآمَّتَانِ (64) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيۡنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا
فَٰكِهَةٞ وَنَخۡلٞ وَرُمَّانٞ (68) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيۡرَٰتٌ حِسَانٞ (70)
فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٞ مَّقۡصُورَٰتٞ فِي ٱلۡخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا
تُكَذِّبَانِ (73) لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٞ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنّٞ (74) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75)
مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرٖ وَعَبۡقَرِيٍّ حِسَانٖ (76) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77) تَبَٰرَكَ
ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ (78)
" وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ" هاتين الجنّتين دون اللّتين ذُكرتا من قبل، في المرتبة الفضيلة والمنزلة، فالجنّتين الأوليتين من ذهب واللتان من دونهما أي أقل منهما (ولا قليل في الجنة) من فضّة.
"فَبِأَيِّ
ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن
والإنس.
"فَبِأَيِّ
ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن
والإنس.
" فِيهِمَا عَيۡنَانِ نَضَّاخَتَانِ" فيّاضتان، ولكن لا تجريان كالأولى، فالجري أقوى من النّضخ.
"فَبِأَيِّ
ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن
والإنس.
"فَبِأَيِّ
ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن
والإنس.
" فِيهِنَّ خَيۡرَٰتٌ حِسَانٞ" من العلماء من قال أن الآية تكلمت عن الخيرات بكل أنواعها، ومنهم من قال أنها تكلمت عن زوجات الجنة فهنّ خيّرات الأخلاق حسان الأوجه، فجمعن بين جمال الظاهر والباطن، وحسن الخَلق والخُلق، ولهذا جاء بعدها ذكر الحور المقصورات.
"فَبِأَيِّ
ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن
والإنس.
"مقصورات" جاءت على وزن "مفعولات"
أما
في الآية 56 فجاءت "قاصرات" على وزن "فاعلات" فهنّ من قصرن أنفسهنّ
من نفوسهنّ، بمحض إرادتهنّ وزاد الله تعالى وصفهنّ بـالياقوت والمرجان، ولا شك أنّ
الّتي قَصَرت طرفها بنفسها أفضل ممّن قُصِرت.
فالقاصرات
نجدهنّ في الجنتين اللتين من ذهب، والمقصورات نجدهنّ في الجنتين اللتين من دونهما.
"فَبِأَيِّ
ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن
والإنس.
"فَبِأَيِّ
ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" فبأيّ نعمه عليكما تكذّبان يا معشر الجن
والإنس.
" وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ " العبقري: نسبة لكل منسوج نسجا حسنا فاخرا،
ولهذا وصفها بالحسن الشامل، لحسن الصنعة وحسن المنظر، ونعومة الملمس،
كلمة رفرف هي كلمة اهتزازية.
وقال ابن عباس:
" ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَام " ذي العظمة والكبرياء
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سلّم لا يقعد (يعني
بعد الصلاة) إلا قدر ما يقول: "اللّهم أنت السّلام ومنك السّلام تباركت يا ذا
الجلال والإكرام"
ملاحظة:
جاء في الآية "وَيَبۡقَىٰ وَجۡهُ رَبِّكَ ذُو ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ" (27) ذو: مرفوعة لأنها صفة للفاعل (وجهُ)
أمّا في الآية " تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَام" (78) فالحرف "ذي" جاء مجرورا لأنه صفة ل (ربِّك) فتبعها في الحركة.
- لنعمل مقارنة بين وصف الجنّتين حتّى يتّضح الأمر أكثر:
واختتمت بـ " تَبَٰرَكَ ٱسۡمُ
رَبِّكَ ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَام " اسم عظيم من أسماء
الله الحسنى " ذِي ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَام" اقترن بالفعل "تبارك" وهو فعل لا يُطلق إلّا على الله تعالى؛
فبداية السّورة اسم لا يطلق إلّا عليه " ٱلرَّحۡمَٰنُ" ، وخاتمتها فعل لا يُسند إلّا إليه سبحانه وتعالى "تبارك".
رابط تحميل البطاقات المرفقة للمقال
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire