جاري تحميل ... أحفظ كتاب الله

آخر الأخبار

إعلان في أعلي التدوينة

جزء عمسورة النبأ

سورة النبأ - تفسير وتدبّر وطريقة حفظ بربط الآيات وتثبيت الخواتيم والمتشابهات


سورة النبأ -  تفسير وتدبّر وطريقة حفظ بربط الآيات وتثبيت الخواتيم والمتشابهات


ملخص السورة
رابط تحميل بطاقات سورة النبأ

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ (1) عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِيمِ (2) ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ مُخۡتَلِفُونَ (3) 

كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ (5)

سورة النبأ هي سورة مكّيّة (نزلت بمكّة) عدد آياتها 40 آية، من أسمائها المنقولة عن السّلف "سورة عمّ" لابتدائها بحرف السّؤال "عمّ"؛ 

يتكوّن القرآن الكريم من 30 جزء، كل جزء يتكوّن من حزبين، و سورة النّبأ هي بداية الجزء الثلاثين (آخر جزء في كتاب الله)

عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ (1) عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِيمِ (2) ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ مُخۡتَلِفُونَ (3)

عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ (1) عمّ: أصلها (عن ما) أي عن أيّ شيء يتساءل كفّار مكّة، فبعضهم يسأل بعضا، عن ماذا يا تُرى؟ فجاء الجواب في الآية الموالية :   عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِيمِ (2) و النّبأ هو الخبر العظيم، الجليل أمره، وهو يوم القيامة، يوم الحساب الذي أنكروا وقوعه و كذّبوا به، وصفه الله تعالى بالعظيم لأنّه آتٍ من عالم الغيب والشّهادة

ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ مُخۡتَلِفُونَ (3) الناس فيه على قولين، مؤمن به وكافر، وهذا إنكار من الله تعالى على المشركين في تساؤلهم عن حدوث يوم  القيامة و تكذيبهم به

و جاءت الجملة إسمية التي ابتدأت بالاسم الموصول (الذي) لتدلّ على الثبوت، فتكذيبهم بيوم الحساب أمر ثابت عليهم، أمّا الجملة الفعليّة فتدلّ على الحدوث

ثمّ قال تعالى متوعّدا المشركين المكذّبين بيوم البعث

كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ (5)

كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ (4)  "كلّا" وتدلّ على ردع الله لهم وزجرهم، سيعلمون علما يقينا بصدق رسول الله يوم ينزل بهم العذاب فيُقال لهم "هَٰذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ" الطّور(14)

ثُمَّ كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ (5) و ما هذا بتكرار لفظي، إنّما جاءت لتعبّر عن عظم الأمر و لزيادة التأكيد على ردعهم و زجرهم

ثمّ يشرع الله تعالى في تبيان دلائل قدرته في الكون و ذلك في 11 آية شملت الكون كلّه

سورة النبأ
رابط تحميل بطاقات سورة النبأ


أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ مِهَٰدٗا (6) وَٱلۡجِبَالَ أَوۡتَادٗا (7) وَخَلَقۡنَٰكُمۡ أَزۡوَٰجٗا (8) وَجَعَلۡنَا نَوۡمَكُمۡ سُبَاتٗا (9) وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِبَاسٗا (10) وَجَعَلۡنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشٗا (11) وَبَنَيۡنَا فَوۡقَكُمۡ سَبۡعٗا شِدَادٗا (12) وَجَعَلۡنَا سِرَاجٗا وَهَّاجٗا (13) وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا (14) لِّنُخۡرِجَ بِهِۦ حَبّٗا وَنَبَاتٗا (15) وَجَنَّٰتٍ أَلۡفَافًا (16)

أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ مِهَٰدٗا (6) وَٱلۡجِبَالَ أَوۡتَادٗا (7)

يمتنّ الله تعالى على عباده إذ جعل لهم الأرض ممهّدة ذلولا ليستقرّوا عليها كمهد الطفل الرضيع وضعته أمّه عليه بكل رحمة و حب و 

حنان، وجعل فوقها الجبال لتمسكها و تثبّتها كأوتاد أو أركان الخيمة التي تقيمها و تشدّها


وَخَلَقۡنَٰكُمۡ أَزۡوَٰجٗا (8) وَجَعَلۡنَا نَوۡمَكُمۡ سُبَاتٗا (9) وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِبَاسٗا (10) وَجَعَلۡنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشٗا (11) "وَخَلَقۡنَٰكُمۡ أَزۡوَٰجٗا" و خلق الذّكر والأنثى فوق هذه الأرض ليسكن كل منهما إلى الآخر وتنشأ عنهما الذرية، ويُقصد به كذلك كل متباينين؛

وبعدما ذكر خلق العباد، ذكر بعض أحوالهم

وَجَعَلۡنَا نَوۡمَكُمۡ سُبَاتٗا" فجعل الله تعالى نعمة النّوم راحة للعباد وقطعا لأشغالهم، بعدها ذكر وقت النّوم فقال"

وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِبَاسٗا" فيغشى الناس بظلامه و سكينته كأنّه الثّوب يستر العبد؛ فاللباس ستر للبدن، و اللّيل ستر للإنسان، فليس الليل للوحشة  و القلق، ولا للفجور و الفسوق، ولكنّه لسكون الأجساد و طمأنينة الأرواح و إشراق النّفوس بالطاعة و الذّكر في خلوة مع الله؛

وَجَعَلۡنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشٗا" وفي المقابل، جعل الله النّهار مشرقا مضيئا ليتمكّن الناس من الحركة والسّعي والتّنقّل و التّكسّب الذي تقوم به حياتنا 


وبعدما ذكر الله تعالى الأرض وما عليها، ذكر السماوات وما فيها فقال

وَبَنَيۡنَا فَوۡقَكُمۡ سَبۡعٗا شِدَادٗا (12) وَجَعَلۡنَا سِرَاجٗا وَهَّاجٗا (13) "وَبَنَيۡنَا فَوۡقَكُمۡ سَبۡعٗا شِدَادٗا" فاللّه تعالى بنى سبع سماوات في غاية الشّدّة         و الصّلابة و أمسكها بقدرته سقفا للعباد، وزيّنها بكواكب ومن  أعظمها الشمس فقال
 وَجَعَلۡنَا سِرَاجٗا وَهَّاجٗا " جعل كوكب الشّمس منيرا متوهّجا مضيئا، فتمدّ الأرض بالدّفئ و الحرارة والضّوء و الحياة


وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا (14) لِّنُخۡرِجَ بِهِۦ حَبّٗا وَنَبَاتٗا (15) وَجَنَّٰتٍ أَلۡفَافًا (16)

وجعل في السّماء أيضا سحابا مثقّلا بنعمة الماء التي يحيا به كل ما على الأرض فقال

 وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا " المعصرات هي السّحاب، فأنزل من السّحاب ماء منصبّا متتابعا، ثمّ ذكر سبب إنزاله الغيث فقال    " لِّنُخۡرِجَ بِهِۦ حَبّٗا وَنَبَاتٗا"  فالماء يحيي الأرض، فينبت الحَبّ (شعير و أرز و ذرة...)  و النّبات (سائر النّبات الذي جعله الله قوتا للإنسان و الحيوان) كقوله تعالى "وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنَّكَ تَرَى ٱلۡأَرۡضَ خَٰشِعَةٗ فَإِذَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهَا ٱلۡمَآءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡۚ إِنَّ ٱلَّذِيٓ أَحۡيَاهَا لَمُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰٓۚ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ" فصّلت (39)

 وَجَنَّٰتٍ أَلۡفَافًا" الجنّة هي البستان، فبنزول المطر تتزيّن الأرض ببساتين ملتفّة و مليئة بمختلف أصناف الثّمار من شتّى الألوان و 

الأذواق  والأنواع


وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا (14)




 لِّنُخۡرِجَ بِهِۦ حَبّٗا وَنَبَاتٗا (15)

وَجَنَّٰتٍ أَلۡفَافًا (16)





فالذي أنعم على العباد بهذه النّعم العظيمة التي لا تُعدّ ولا تُحصى، قادر على إحياء الموتى و بعثهم، فجاء بعدها ذكر يوم البعث و النّشور الذي كذّب به الكفّار

ذكر يوم الفصل
رابط تحميل بطاقات سورة النبأ

إِنَّ يَوۡمَ ٱلۡفَصۡلِ كَانَ مِيقَٰتٗا (17) يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأۡتُونَ أَفۡوَاجٗا (18) وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتۡ أَبۡوَٰبٗا (19) وَسُيِّرَتِ ٱلۡجِبَالُ فَكَانَتۡ سَرَابًا (20)

إِنَّ يَوۡمَ ٱلۡفَصۡلِ كَانَ مِيقَٰتٗا " يخبر الله تعالى عن يوم القيامة، يوم يُفصل بين العباد، أنّه مؤقّت بأجل محدّد لا يعلمه إلا الله جلّ وعلا؛ ثمّ يشرع تعالى في وصف أحداث ذلك اليوم الموقوت فقال

 يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأۡتُونَ أَفۡوَاجٗا " فممّا جاء في السُّنّة أنّ الصّور عبارة عن آلة على شكل قرن ينفخ فيها ، وقد ثبت عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما الصّور ؟  قال صلى الله عليه وسلم : ( الصّور قرن يُنفخ فيه ) رواه الترمذي وقال حسن صحيح ، وقد أوكل الله عز وجل أمر النفخ في الصّور لإسرافيل عليه السلام ، وهو من الملائكة العظام ، ومنذ أن أُوكل بذلك وهو متهيّئ للنّفخ فيه ، وكلما اقترب الزمان ازداد تهيّؤه ، قال صلى الله عليه وسلم : ( كيف أنعم ، وقد التقم صاحب القرنِ القرنَ ، وحنى جبهته ، وأصغى سمعه ينتظر أن يُؤمر أن ينفخ فينفخ ، قال المسلمون : فكيف نقول يا رسول الله : قال : قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، توكّلنا على الله ربنا ) رواه الترمذي وحسّنه

ٱلصُّورِ

الصُّور هو البوق ، وهو قرنُ ثَور فارغ الوسط مضيق بعض فراغه ويتخذ من الخشب أو من النحاس ، يَنفخ فيه النافخ فيخرج منه الصوت قوياً لنداء الناس إلى الاجتماع ، وأكثر ما ينادى به الجيش والجموع المنتشرة لتجتمع إلى عمل يريده الآمر بالنفخ
وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتۡ أَبۡوَٰبٗا " تتشقّق السّماء فتكون أبوابا كقوله تعالى "إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتۡ" الانشقاق: 1 لينزل عبرها الملائكة لتشهد يوم الحساب و الفصل بين العباد، فيتّصل عالم الملائكة بعالم الإنسان، كما قال تعالى: "وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا" {الفرقان:25} و قوله تعالى : "هَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّآ أَن يَأۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٖ مِّنَ ٱلۡغَمَامِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ"        البقرة (210)
تتناثر النّجوم، وينطمس ضوء الشّمس والقمر، وتشتدّ الظّلمة، ويعظم الأمر، ثم تنشقّ السّماء على غلظها وصلابتها، فتسمع الخلائق لانشقاقها صوتاً عظيماً، فظيعاً مدهشاً، تندهش لهوله الألباب، وتخضع لهيبته الرّقاب، ثم ينظرون إلى الملائكة هابطين من السّماء يحيطون بأرض المحشر
وبعد نزول الملائكة تحيط بالخلق، قال ابن كثير في تفسيره: قال ابن عباس: يجمع الله الخلق يوم القيامة في صعيد واحد، الجنّ والإنس والبهائم والسّباع والطّير وجميع الخلق، فتنشقّ السّماء الدّنيا، فينزل أهلها، وهم أكثر من الجن والإنس ومن جميع الخلائق ، فيحيطون بالجن والإنس وبجميع الخلق، ثم تنشق السماء الثانية فينزل أهلها، وهم أكثر من أهل السماء الدنيا ومن الجن والإنس ومن جميع الخلق فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم والجن والإنس وجميع الخلق، ثم تنشق السماء الثالثة، ثم كذلك كل سماء، حتى تنشق السماء السابعة
وقال السعدي: وتنزل ملائكة كل سماء فيقفون صفا صفا، فالملائكة على كثرتهم وقوتهم، ينزلون محيطين بالخلق مذعنين لأمر ربهم لا يتكلم منهم أحد إلا بإذن من الله 
وصف الملائكة هَوْلٌ آخر يغطي الوجوه يوم القيامة وحشةً ويملأ القلوبَ قلقًا ورعبًا؛ وذلك بإحاطتهم حول الناس، فأهل السماء أكثر من أهل الأرض أضعافا مضاعفة، بحيث لا ينفذ أحد منهم إلا بسلطان ،ذلك قوله تعالى "يَٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ إِنِ ٱسۡتَطَعۡتُمۡ أَن تَنفُذُواْ مِنۡ أَقۡطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ فَٱنفُذُواْۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَٰنٖ" الرّحمن (33
ثم ينزل الله جلّ وعلا في ظلل من الغمام و الملائكة معه، و السماوات و الأرض قد أظلمت، ليس هناك شمس ولا قمر ينير، ولا نجوم تضيء ، كلها قد كُسفت و طُمست ولم يبقى لها نور، وبقي الناس في ظلمة عظيمة، فإذا جاء الله أشرقت الأرض بنور ربها، قال تعالى "وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ وَجِاْيٓءَ بِٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ" الزمر (69)
وَسُيِّرَتِ ٱلۡجِبَالُ فَكَانَتۡ سَرَابًا " يومئذ تُنسف الجبال و تُقتلع من أماكنها حتّى تكون كالسّراب الدي لا حقيقة له، بعدما كانت للأرض أوتادا كقوله تعالى "وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡجِبَالِ فَقُلۡ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسۡفٗا" طه (105)

 فالصّور في الآية هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام الموكّل بهذه المهمّة، ليسمعه النّاس فيأتون أفواجا، كلّ أمّة مع رسولها الذي أُرسل إليها بالحق؛ كقوله تعالى "يَوۡمَ نَدۡعُواْ كُلَّ أُنَاسِۭ بِإِمَٰمِهِمۡۖ فَمَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ يَقۡرَءُونَ كِتَٰبَهُمۡ وَلَا يُظۡلَمُونَ فَتِيلٗا" الإسراء: 71 و ظاهر القرآن أنّ النّفخ نفختان: نفخة صعق و نفخة بعث، والآية تتكلم عن نفخة البعث فالسورة كلها في سياق البعث و النّشور، وهي صيحة توقظ الأموات مما هم فيه، ثم يحشرون بعدها إلى أرض المحشر 

إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتۡ مِرۡصَادٗا (21) لِّلطَّٰغِينَ مَـَٔابٗا (22) لَّٰبِثِينَ فِيهَآ أَحۡقَابٗا (23) لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرۡدٗا وَلَا شَرَابًا (24) إِلَّا  حَمِيمٗا وَغَسَّاقٗا (25) جَزَآءٗ وِفَاقًا (26) إِنَّهُمۡ كَانُواْ لَا يَرۡجُونَ حِسَابٗا (27) وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا كِذَّابٗا (28) وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ كِتَٰبٗا (29) فَذُوقوا فَلَن نَّزِيدَكُمۡ إِلَّا عَذَابًا (30)

 إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتۡ مِرۡصَادٗا " ترصد أهلها، مرصّدة و معدّة و مهيّأة، لمن؟
لِّلطَّٰغِينَ مَـَٔابٗا " فيومئذ تكون جهنّم مصيرا و مرجعا للطّغاة المخالفون لله و رسله
 لَّٰبِثِينَ فِيهَآ أَحۡقَابٗا " ماكثين في جهنّم ما دامت الأحقاب، وهي لا تنقطع، كلما مضى حقب جاء آخر، وجاء في تفسير السعدي أن الحقب مدته ثمانين سنة؛ فالمعنى ماكثين فيها دهورا لا تنقطع. 
 لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرۡدٗا وَلَا شَرَابًا " لا يجدون فيها ما يُبرّد حرّ النّار على أجسادهم، ولا شرابا طيّبا يدفع ظمأهم، إلا ما أعدّ الله لهم
 إِلَّا حَمِيمٗا وَغَسَّاقٗا " يجدون الحميم و هو الماء الحار الذي يشوي الوجوه، و يجدون الغسّاق و هو ما اجتمع من صديد أهل النار و عرقهم و دموعهم و جروحهم، فيكون لهم شرابا يقطّع أمعاءهم ؛
فيكون "حميما" مقابل "بردا" و "غسّاقا" مقابل "شرابا 
 جَزَآءٗ وِفَاقًا " كلّ هذا إنما هو جزاء وافق أعمالهم في حياتهم الدنيا، عادلا فلا يُنقص من أعمالهم ولا يزيد فيها شيئا ولا يظلم ربك أحدا. ثم بيّن سبب عقابهم فقال
إِنَّهُمۡ كَانُواْ لَا يَرۡجُونَ حِسَابٗا " كانوا لا يعتقدون أنّ ثَمّ دار جزاء و يوم حساب، و كانوا لا يخافون وعيد رسلهم، بل كذّبوهم و أنكروا ما جاءوا به
وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا كِذَّابٗا " كذّبوا بآيات الله و دلائل قدرته كِذّابا أي تكذيبا كبيرا، وهي صيغة مبالغة لتكذيبهم
لكن تكذيبهم و كفرهم لم يمرّ هباء، بل كُتب و حُفظ في كتاب مرقوم 
وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ كِتَٰبٗا " فكل شيئ صغيرا كان أو كبيرا، شرّا كان أو كبيرا، محفوظا و مضبوطا عند الله تعالى. فما هو جزاؤهم؟
 فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمۡ إِلَّا عَذَابًا " و هذا وعيد شديد لأهل النار، فلن ينالوا إلا عذابا بعد عذاب، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال  (ما نزلت على أهل النار آية قط أشدّ منها، فهم في مزيد من عذاب الله أبدا)
ولما ذكر الله تعالى ترهيب الكافرين من عذابه، ذكر بعدها ترغيب المؤمنين في جزاءه


 إِنَّ لِلۡمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) حَدَآئِقَ وَأَعۡنَٰبٗا (32) وَكَوَاعِبَ أَتۡرَابٗا (33) وَكَأۡسٗا دِهَاقٗا (34) لَّا يَسۡمَعُونَ فِيهَا لَغۡوٗا وَلَا كِذَّٰبٗا (35) جَزَآءٗ مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَابٗا (36) رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا ٱلرَّحۡمَٰنِۖ لَا يَمۡلِكُونَ مِنۡهُ خِطَابٗا (37)

 إِنَّ لِلۡمُتَّقِينَ مَفَازًا " أخبر الله تعالى عن المتقين وما أعد لهم من نعيم، وقيل أن التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب
 الله، و أن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله، فأعدّ لهم مفازا أي متنزّها ويدخل في معناها الفوز و النّجاة. ثم فصّل في نعيمهم فقال" حَدَآئِقَ وَأَعۡنَٰبٗا " أعدّ لهم بساتين جامعة لأصناف الأشجار الزاهية وأنواع الثمار، وخصّ الأعناب بالذكر لشرفها و كثرتها في تلك الحدائق؛ ثم ذكر رفيقهم في تلك الحدائق  قبل ذكر شرابهم
 وَكَوَاعِبَ أَتۡرَابٗا " كواعب: جمع كعب وهي الفتاة الشابة النظرة، أترابا: جمع تِرب أي المتقاربون في السن؛ ثم ذكر شرابهم
 وَكَأۡسٗا دِهَاقٗا " شرابهم كؤوسا دهاقا أي مملوءة من رحيق لذّة للشاربين، ويدور بينهم كلام عار من اللغو والكذب 
لَّا يَسۡمَعُونَ فِيهَا لَغۡوٗا وَلَا كِذَّٰبٗا "هي دار السّلام، لا يُسمع فيها كلاما دون فائدة ولا كذب، كلّ كلام فيها سالم من النّقص؛ فاحرص على أن تكون مجالسك في الدنيا خالية من اللغو و الكذب لتنال مجالس عالية لا تسمع فيها لغوا ولا كذّابا

تأملات

جاء في ذم الكافرين قوله تعالى " وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا كِذَّابٗا " 28 فالكذب والتكذيب بآيات الله يجري على ألسنتهم في حياتهم الدنيا، فاستقر في نفوسهم
وجاء في وصف حال المتقين في الجنة قوله تعالى " لَّا يَسۡمَعُونَ فِيهَا لَغۡوٗا وَلَا كِذَّٰبٗا " 35 فجنّبهم الله تعالى هذه الصفة الذميمة في حياتهم الدنيا وحتى في الآخرة، فيزيدهم ربهم تقوى على تقوى وهدى على هدى.
 جَزَآءٗ مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَابٗا " "جَزَآءٗ مِّن رَّبِّكَ"جزاهم الله تعالى بكل هذا النعيم بفضله وإحسانه ورحمته،  "عَطَآءً حِسَابٗا" أي كافيا وافرا شاملا كثيرا، تقول العرب في كلامها "أعطاني فأحسبني" أي " كفاني" ومنه "حسبي الله"  أي الله كافيني

مقارنة بين الآية 26 والآية 36

بعد ذكر جزاء الكافرين قال تعالى "جَزَآءٗ وِفَاقًا" (26) فجزاء الله لهم لا زيادة فيه ولا نقصان، حاسبهم بالوفاق والعدل؛ . فجزاء السيّئة سيّئة مثلها، قال تعالى "وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ" الشورى (40)
أمّا في ذكر جزاء المؤمنين فقال تعالى "جَزَآءٗ مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَابٗا" (36) عطاء كافيا، أي عاملهم بالعطاء الكافي و الوافي وهذا من فضل الله على عباده المتقين ،فيجزي الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة قال تعالى "مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشۡرُ أَمۡثَالِهَاۖ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجۡزَىٰٓ إِلَّا مِثۡلَهَا وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ" الأنعام (160) 

لما ذكر تعالى أن الجزاء يكون للمتقين من عنده في قوله تعالى " جَزَآءٗ مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَابٗا " جاء في الآية الموالية وصف الله المعطي فقال
رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا ٱلرَّحۡمَٰنِۖ لَا يَمۡلِكُونَ مِنۡهُ خِطَابٗا " فكلمتي (رَّبِّ) و( ٱلرَّحۡمَٰنِ) جاءتا مكسورتين لأنهما نعتين لكلمة  (رَّبِّكَ) في قوله تعالى " جَزَآءٗ مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَابٗا "يخبر الله تعالى عن عظمته و جلاله، وأنه رب السماوات و الأرض وما فيهما وما بينهما، وأنه الرحمن الذي شملت رحمته كل شيء، وصفة "الرحمن" لا تطلق إلا عليه جل وعلا؛ وهذا استشعار برحمته مع ذكر عظمته و قوته. " لَا يَمۡلِكُونَ مِنۡهُ خِطَابٗا " فجميع الخلق ساكتون لا أحد يقدر على مخاطبته جلّ وعلا

تأملات

في قوله " رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا " لماذا تُجمع كلمة "السماوات" ولا تُجمع كلمة "الأرض" في القرآن الكريم؟ 
الأرض و السماوات كلاهما سبع، لكن طبقات الأرض لا فجوات بينها فهي متصلة بعضها ببعض؛
أما السماوات فهي منفصلة، بين سماء وأخرى مسافة مسيرات من الأعوام، ولكل سماء ملأ يسكنونها وخزنة يقومون عليها

ثم وصف هيبة ذلك اليوم و جلال الملك القهار فقال

 يَوۡمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ صَفّٗاۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَقَالَ صَوَابٗا (38) ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلۡحَقُّۖ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ مَـَٔابًا (39) إِنَّآ أَنذَرۡنَٰكُمۡ عَذَابٗا قَرِيبٗا يَوۡمَ يَنظُرُ ٱلۡمَرۡءُ مَا قَدَّمَتۡ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلۡكَافِرُ يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ تُرَٰبَۢا (40)


يَوۡمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ صَفّٗاۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وَقَالَ صَوَابٗا " اختلف المفسرون في المراد بكلمة (الروح)، فقيل أنه جبريل عليه السلام أشرف الملائكة، و قيل أن المراد به بني آدم أي الخلق جميعا، والله أعلم؛ فالملائكة على طهارتهم و علو مكانتهم عند الله إلا أنهم لا يتكلمون إلا بإذنه ولا يقدرون على خطابه  كقوله تعالى " مَن ذَا ٱلَّذِي يَشۡفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ " البقرة 255  فجميع الخلق واقفون مصطفون ساكتون إلا من أذن الله له فيتكلم بالحق " وَقَالَ صَوَابٗا " موقف رهيب! اللهم استرنا يوم العرض
 ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلۡحَقُّۖ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ مَـَٔابًا " ذلك اليوم كائن لا محالة، فمن أراد النجاة والفوز اتبع طريق الحق ومنهج الله ورجع إلى الله بالعمل الصالح

تأملات

جاء في قوله تعالى " لِّلطَّٰغِينَ مَـَٔابٗا " (22) فيومئذ تكون جهنّم مصيرا و مرجعا للطّغاة المخالفون لله و رسله؛ وحتى يتجنّب الإنسان هذا المآل وجب عليه اتخاذ سبيل الحق والتقوى مرجعا له فقال تعالى " ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلۡحَقُّۖ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ مَـَٔابًا " (39)


إنَّآ أَنذَرۡنَٰكُمۡ عَذَابٗا قَرِيبٗا يَوۡمَ يَنظُرُ ٱلۡمَرۡءُ مَا قَدَّمَتۡ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلۡكَافِرُ يَٰلَيۡتَنِي كُنتُ تُرَٰبَۢا" فالله تعالى حذّر عباده من عذاب يوم القيامة، وأقام عليهم الحجة بإرسال الرسل لهم مبشرين ومنذرين، و ما هو بالأمر البعيد كقوله تعالى " إِنَّهُمۡ يَرَوۡنَهُۥ بَعِيدٗا " (6) " وَنَرَىٰهُ قَرِيبٗا " (7) المعارج ، في هذا اليوم يُعرض عليه جميع الأعمال، و في هذا اليوم يود الكافر أنه كان في الدنيا ترابا، ولم يكن خُلق ولا خرج إلى الوجود، وذلك حين عاين عذاب الله، ووجد ما عمل من شر حاضرا

تأملات

جاء في بداية السورة قوله تعالى " كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ " (4) " ثُمَّ كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ " (5) ثم جاء في آخر آية من السورة قوله تعالى " إِنَّآ أَنذَرۡنَٰكُمۡ عَذَابٗا قَرِيبٗا " فناسب استعمال حرف السين المقترن بالفعل "يعلمون" الذي يستعمل ليدل على المستقبل القريب، لأن الله تعالى أخبر أن عذابه سيكون قريبا
وهذا يساعدنا للتفريق بين آيتي سورة النبأ و آيتي سورة التكاثر " كَلَّا سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ"(3) " ثُمَّ كَلَّا سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ " (4) حيث جاء حرف التسويف الذي يدل على المستقبل البعيد




رابط فيديو طريقة حفظ وتثبيت سورة النبأ على قناة "أحفظ كتب الله" أتشرف باشتراككم





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

إعلان في أسفل التدوينة

إتصل بنا

نموذج الاتصال

Nom

E-mail *

Message *

مدونة "أحفظ كتاب الله" مهتمة بتفسير وفهم معاني القرآن الكريم، مع وضع طريقة لحفظه و تثبيت الخواتيم و المتشابهات ,